اخوتي في الله طلب مني في منتدى آخر تفسير هذان الحديثان
فارت ان يكون بين يديكم تفسيرهما
اعننا الله واياكم على الخير ورزقنا الاخلاص
عن أبي ذر الغفارى – رضى الله عنه - قال
قلت يا رسول الله ألا تستعملني قال فضرب بيده على منكبي ثم قال ( يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها ) رواه مسلم
سؤاله : ألا تستعملنى ؟ معناه ألا تجعلنى أميرا أو واليا على بلد من البلاد ؟
هذا الحديث أصل عظيم في اجتناب الإمارة و الولايات , خاصة لمن كان فيه ضعف عن القيام بمهام و مسئوليات تلك الولاية.
و لقد كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يحب أبا ذر محبة شديدة و يثنى عليه و قال فى حقه ( ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق من أبي ذر ) و لكن الإمارة و الرئاسة تتطلب إلى جانب الأمانة و التقى الصفات المؤهلة للقيادة العامة من الخبرة و السياسة و الحكمة و حسن الإدارة.
و الحديث فيه تحذير شديد لمن حرص على الإمارة و هو غير مؤهل لها لأنه لو أدركها و حصل عليها و هو غير كفؤ لها كانت عليه يوم القيامة خزي و ندامة و حسرة و يفضحه الله على روؤس الخلائق.
و لقد كان كثيرون من سلفنا الصالح يعرضون عن تولى الإمارات برغم أنهم مؤهلون لها و ذلك بسبب المخاطر العظيمة التى تكتنفها بل و ربما تعرضوا للأذى بسبب رفضهم فصبروا. و إن الانسان ليعجب الآن حين يرى هذا التكالب على الرئاسة فى كل البلاد و كأن هؤلاء اللاهثين وراء السلطة لا يعنيهم أمر الآخرة فى شيئ بل و ربما لم يفكروا فيها أصلا.
و إن الجلد ليقشعر عندما يتفكر فى هؤلاء اللاهثين خلف الإمارة عنما نتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم ( إنكم ستحرصون على الإمارة وستكون ندامة يوم القيامة فنعم المرضعة وبئست الفاطمة ) و معنى نعم المرضعة : يعنى ما فيها من حصول الجاه و الأبهة والمال و السلطة ونفاذ الكلمة أثناء فترة الرئاسة و معنى بئست الفاطمة : يعنى بعد انتهاء الملك و الرئاسة و زوال كل هذه المزايا عنه و لقد رأيت أحد رؤوساء أمريكا السابقين يتكلم بحسرة شديدة و كمد بالغ عن حياته الحالية بعيدا عن الأضواء و أنه يضطر لحضور مناسبات عديدة سخيفة نظرا للمقابل المادى لخطاب سيلقيه فيها أو لتعاقده مع بعض شركات الدعاية و الاعلان ليضع اعلانات تجارية على سترته أو حقيبته بعد أن كان يتهدد دولا بأكملها.
و قد روى الإمام مسلم أيضا عن معقل بن يسار – رضى الله عنه – أنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة ).
أما من كان أهلا لها و قام بحقها و عدل فيها فله أعظم الجزاء و يكفيه أنه أول من يظلهم الله فى ظله يوم القيامة ( سبعة يظلهم الله فى ظله يوم لا ظل إلا ظله : إمام عادل ...... ) و يكفى قول رسول الله صلى الله عليه و سلم ( إن المقسطين عند الله على منابر من نور ) و هم من وصفهم بأنهم الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا.
و لقد كان من دعائه صلى الله عليه وسلم : ( اللهم من ولي أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه , ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به ) .
الحديث العاشر :
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( الصيام جنة فلا يرفث ولا يجهل وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم مرتين والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله تعالى من ريح المسك يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي الصيام لي وأنا أجزي به والحسنة بعشر أمثالها ) رواه البخارى.
الله تبارك و تعالى حكيم ، شرعه كله حكمة ، حتى فى أدق تفاصيله تبدو الحكمة ظاهرة جدا لمن يتأملها.
ما من عبادة إلا و لها حكم بالغة و فوائد عظيمة و منافع كريمة للعبد إذا أقبل عليها ، فالعبادات ليست تكاليف و أعباء و قيود و إنما هى نعم عظيمة أنعم الله تعالى بها على عباده.
( الصيام جنة ) : الجنة بضم الجيم هى الوقاية والستر و الحماية ، و معناهه أن الصيام ستر بين الصائم و النار و قيل بل هو وقاية من الشهوات ، و لعل هذا أقرب. و عموما فالشهوات هى طريق النار ( حفت النار بالشهوات ). و الصوم بالفعل يقمع الشهوة و يجعلها تحت سيطرة الانسان و هذا من أعظم فوائد و حكم الصوم ، فالانسان الذى يتحكم فى شهوته من أرشد الناس و أعقلهم ، و الشهوات متنوعة مثل حب السلطة و حب جمع المال و حب المال لذاته و حب المناصب و حب الظهور و حب اقتناء الأشياء و شهوة الرجال للنساء و العكس و شهوة الطعام و الشراب و غيرها .
و لهذا قال النبى صلى الله عليه و سلم ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج و من لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ) يعنى حماية و وقاية ، و هذا مع الشباب الذين تكون شهواتهم لها فورة و حماسة و اندفاع فالصوم معهم مؤثر و مع غيرهم من باب أولى.
( فلا يرفث و لا يجهل ) : الرفث هو الكلام الفاحش البذئ و يطلق أيضا على الجماع و مقدماته ، و لا يجهل : يعنى لا يجادل و يمارى بالباطل و لا يفعل شيئا من أفعال أهل الجهل كالصياح والسفه ونحو ذلك و هذا طبعا ممنوع فى غير الصيام أيضا و لكن النهى فى الصيام أشد. و الكلام الفاحش يشمل الغيبة و النميمية و كل كلام يغضب الله عز و جل.
و الصوم له هنا حكمة بالغة ، فهو يرزق صاحبه تقوى الله كما قال ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) و التقوى طاعة الله فيما أمر و اجتناب ما نهى عنه و زجر. و دور الصوم واضح هنا إذ يدرب الصائم على امتثال الأمر و ترك المباحات و الحلال لأمر الله من طعام و شراب و شهوة فإذا استقام على ذلك فترة كان سهلا عليه و لا شك أن يترك الحرام.
و لذلك يقول النبى صلى الله عليه و سلم ( من لم يدع قول الزور و العمل به فليس لله حاجة فى أن يدع طعامه و شرابه ) ، يعنى إذا لم ينته الصائم عن الغيبة و النميمة و الكذب و فحش الكلام فأى معنى إذن لصيامه ؟ .. كيف يترك الحلال و المباح و لا يترك الحرام ؟.
( يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي ) : و المراد بالشهوة هنا شهوة الجماع و لذلك رأى بعض الأئمة أن الذى يستمنى – بالعادة السرية – يفسد صومه لأنه لم يترك شهوته لله تعالى.
(وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم مرتين ) : هل يقولها الصائم الذي يكلمه بذلك أو يقولها في نفسه ؟ .. لعل المعنى أنه يقوله مرة بقلبه ومرة بلسانه , فيستفيد بقوله بقلبه كف لسانه عن خصمه وبقوله بلسانه كف خصمه عنه.
(الصيام لى و أنا أجزى به ) : للعلماء آراء عديدة و كلام طويل حول هذه العبارة لأن كل العبادات هى أساسا لله و ليس الصوم فقط فلماذا هذا التخصيص : ( الصيام لى ) ؟!
و قد ذكرت أقوال كثيرة فى معناها و لعل أظهرها أن الصيام لا رياء فيه فهو خالص لوجه الله ، أما أى عبادة أخرى فيتلبس بها الرياء و قد وجد من المشركين من يدعو غير الله و يذبح لغير الله و يصلى لغير الله ... و لم يوجد من يصوم لغير الله. و لا يمكن أن يتم صيام انسان بالكامل و هو مرائى لأنه ببساطة يمكنه عندما يخلو بنفسه أن يأكل أو يشرب.
و معنى ( و أنا أجزى به ) أني أنفرد بعلم مقدار ثوابه وتضعيف حسناته . وأما غيره من العبادات فقد اطلع عليها بعض الناس.
_________________